في عالم نسيت فيه المرأة معني أن تكون أنثي.. وفي اللحظة التي صارت فيها القوة.. والسلطة.. أمرا مرتبطا بالرجولة.. أوالاسترجال.. ظهر في أسواق العالم كتاب مبهر.. اسمه "المغرية".. الغاوية.. المثيرة.. كتاب يحكي عن المرأة في أجمل حالاتها.. وأشهي وجوهها.. يحكي عن المرأة عندما كانت تملك.. وتحكم.. وتصل بالشعوب إلي أرقي نقطة في حضاراتها.. وليس إلي الدرك الأسفل من الجحيم.

مؤلفة الكتاب باحثة أمريكية من أصل فرنسي.. باحثة جادة اسمها "بتسي بريولو".. هي أول من يفهم أن الجدية لا تعني التجهم.. وأن القوة لا ترتبط بالقسوة دائما.. أرادت تلك السيدة أن تعيد الاعتبار لبنات جنسها.. فقرأت التاريخ.. ورسمت ملامح المرأة في السياسة والحكم.. كيف صنعت المرأة بلدا قويا.. وكيف كانت المرأة الحاكمة، هي ملهمة الشعوب.. قبل أن تحولها الخرافات.. إلي لعنتهم الدائمة.

إن الصورة الشائعة في أذهان الناس هي أنه لا خير يأتي من وصول المرأة إلي الحكم.. وأنه بمجرد أن تشعر المرأة أن هناك قوة سياسية بين أصابعها.. فستنطبق هذه الأصابع علي أعناق الرجال.. وتسحب منهم الحياة والحرية.. بل إن أحد فلاسفتهم لم يتردد يوما في أن يقول إن وجود امرأة في السلطة هوأكثر شيء يقزز الرجل جنسيا.. فهذا أمر ضد الطبيعة أصلا.

أي امراة تدخل إلي موقع سلطة تدرك أنها تسير في حقل ألغام.. تخاف دائما من إظهار أنوثتها خوفا من أن يتصور الرجال أنها تستغلها.. وتخشي من أن تكون أنثي علي طبيعتها لأنها تتصور أنها تتعارض مع طبيعة لعبة الحكم.لكن.. لم يقل أحد لهذه السيدة، إن البشر بطبيعتهم يميلون إلي أن تحكمهم امرأة.. وأن المرأة ذات السلطة.. هي صاحبة أقوي خلطة إغراء في التاريخ.

إن الصورة الشائهة التي تصل إلينا الآن عن أشهر ملكات التاريخ.. والحكايات الأسطورية عن شهواتهن وجنونهن.. هي ما رسخت في أذهان الناس فكرة أن ملكات الإناث هن مثل إناث العناكب.. تلتهم الذكور بمجرد أن تأخذ غرضها منهم.. لكن الواقع، أن سبب تلك الصورة الشائهة عن تلك الملكات جاءت إلينا بسبب خوف الرجال الزائد منهن.. من قوتهن التي تفوق قوة الرجال بكثير.. من قدرتهن الأسطورية علي الوقوف في وجه الأزمات.. من صمودهن في وجه كل من يحاول فرض سيطرته عليهن بما فيهم رجال الدين.. كأنهن يعدن إحياء صورة آلهة الأساطير القديمة.. منابع الخصب.. والأنوثة.. والأمومة.. الطبيعة الأم.. التي يرتبط بها كل البشر منذ بدء الخليقة.. والتي لا يمكن أن يسيطر عليها أحد.

لم تفقد المرأة عرشها في السياسة إلا عندما فقدت عرشها في الأنوثة.. فأفشل سياسيات العالم هن من نسين أنوثتهن.. أوتركنها تذوب تحت أقدام التصورات المتخلفة.. إن الأنوثة الحقة هي تلك التي تحتوي ولا تلفظ.. تجتذب ولا تنفر.. والسياسية الناجحة هي التي كانت تعرف كيف توظف قدراتها في الإغراء للحكم.. فالإغراء لا يعني الابتذال.. بل يعني بشكل ما.. الإقناع.. والمرأة التي تعرف كيف تحافظ علي رجلها هي التي تعرف كيف تحافظ علي شعبها.. والمرأة التي تعرف مصلحتها.. هي التي تعرف مصلحة من تحكمهم.. الإغراء هو فن بناء العلاقات.. فن الحفاظ علي المكاسب.. ومهارة الاحتفاظ الدائم بالإعجاب والاهتمام.

تبدو امرأة السلطة دائما امرأة بكل طعم ولون.. كبيرة.. ناضجة.. حية.. قادرة علي المنح.. وجبارة في الانتقام.. تمزج فهمها للسياسة بطريقتها في الإقناع.. فتضاعف من تأثيرها وتصل لأهدافها بسرعة أكبر.. كليوباترا.. سميراميس.. كاثرين العظيمة.. إليزابيث الأولي.. كلها أسماء تؤكد أن المرأة عندما تحكم.. فإنها تعرف كيف تدير عقول الرجال.. وكيف تستخدم عقلها هي.. لإدارة البلاد.

بالطبع، فإن معظم النساء اللواتي ظهرن في تاريخ السياسة الغربية، كن دائما يخسرن إما صورتهن الأنثوية.. أوقيمتهن السياسية أمام الناس.. لكن التاريخ والواقع يؤكدان، أن كل امرأة نجحت في حكم شعب ما.. كنت تعرف كيف تلهمه.. وكيف تدفعه إلي الأمام.. وكيف تعلمه كل ما تريد.. بطرق لم يكن يتوقعها أبدا.

كانت الصفة المثيرة التي تشترك فيها نساء السلطة غالبا، هي أن كل واحدة منهن لم تحظ بطفولة عادية.. لم تنشأ واحدة فيهن في ذلك المناخ الأسري المستقر الهاديء.. الذي يحتاجه القادة الرجال ليشعروا بالقوة والنفوذ والدعم.. معظمهن نشأن وسط أبوين مهملين.. قاسيين.. لا يمانعان أبدا في استخدام العنف معهن.
لذلك، يكون من الطبيعي جدا أن تنشأ امرأة السلطة.. قوية.. قادرة علي مقاومة كل الظروف التي تدمرها في طفولتها.. تتعلم الفتاة الصغيرة كيف تجد في داخلها ما يجعلها تحب نفسها.. ما يجعلها تشعر بقيمتها في الوقت الذي يهدمها فيه الآخرون.. في نفس الوقت.. تعرف تلك المرأة منذ صغرها كيف تواجه العداوة.. والظروف الصعبة التي تواجهها.. مما يمنحها استقلالا ملحوظا.. وتفوقا علي كل من يحيطون بها.. بما فيهم..كل القوي التي تفوقها.. وعلي رأسها.. أسرتها.

يكون طبيعيا إذن أن تنجح امراة السلطة في مواجهة كل القوي التي تحاول الحد من نفوذها فيما بعد.. فهي لم تحاصر بالتربية التقليدية التي تطالبها بأن تكون "فتاة مطيعة".. تشعر بالعجز.. أوبالدونية.. أوبضرورة سيطرة الرجال الكبار عليها.. لم يقل لها أحد في صغرها إنها "بنت".. لابد أن تلتزم بما يمنحه المجتمع لها دون أن تطالب لنفسها بالمزيد..

عرفت تلك النساء كيف يحطن أنفسهن بهالة شبه إلهية.. دائما ما كانت امرأة السلطة، امرأة تتمتع بإرادة حديدية.. وبذكاء حاد يمنحها قدرة فائقة علي اتخاذ القرارات.. لكنها كانت تستخدم كل طرق الأنثي.. واغراءها للوصول إلي ما تريد.. وتنفيذ قراراتها في الوقت.. وبالمنطق الذي تريده.. لم تكن تلجأ للقوة أبدا.. بل كانت تستخدم قدرتها علي الإقناع.. من خلال الإبهار.

امرأة السلطة الناجحة.. هي تلك التي كانت تصنع من كل ظهور لها علي شعبها.. احتفالية خاصة.. يراها الناس فتشتعل قلوبهم.. ويلتهب خيالهم كما لوكانوا يرون أسطورة حية تمشي علي قدمين..كانت ترتدي ملابس جذابة.. مبهرة.. تحيط بها الروائح العطرية.. وتقدم نفسها كراعية للفنون والموسيقي.. كانت امراة تعرف كيف تستخدم عقلها ولباقتها في الكلام، حتي تسحر كل تابعيها.. وتسحب منهم موافقتهم علي كل قراراتها دون أن تنتزع منهم إحساسهم برجولتهم.

أي ملكة أسطورية، كانت تعرف كيف تعامل رعاياها كما تعامل عشاقها.. تحيطهم بأشكال المرح.. والحب.. والمديح.. وتظهر في الوقت نفسه قدرتها المخيفة علي العقاب والانتقام ممن أساءوا إليها.. وتحكم قبضتها علي شئون بلادها بمزيج من الأمر المباشر.. والتفاوض للوصول إلي حلول ترضي جميع الأطراف.. تظهر قوتها ومرونتها معا.. كما لوكانت مزيجا من الثعلب والأسد.